الأحد، 27 يوليو 2014

الشيخ عبد العزيز بن الطيب حمادوش (رحمه الله) - درع الكرم وسيفه



الشيخ عبد العزيز بن الطيب حمادوش

درع الكرم وسيفه 


على سفح التاريخ اوضفافه وهوامشه وغالب الظن ان التاريخ استراح لحظة تقارب مئة وثلاثون سنة فى منطقة يبدو ان تكاليف الحضارة قد اثقلتها واعيتها وان التجاوب مع التاريخ ومسايرته على الاقل وليس صناعته وتوجيهه دات اكلاف و مشاق فقدت القدرة والطاقة اللازمتين لاحتمالهما فضلا عن اعتبارهما ثمنا واجب الدفع ،أومهراً لقاء حماية المقدس وحفظه ذلك لأن النفس الحضاري لما بعد الموحدين اعتراه الضعف منذ أمد ولم يقف هذا الضعف عند حدٍ معين لأن مقداره اتسع وتفاقم ، واصطحب ذلك أورافقه تأزم ثقافي وتراجع مدني ، انعكس على الفكر فقتل الإبداع ، وانعكس على الوجدان فإنقبضت المشاعر وتجهمت ، فأودت بالفن ونكلت بالجمال ،فغدت صور الحياة قبيحة قاتمة كريهة مقززة ،وانعكست على السلوك فإنقطع الخيط الرفيع الذي يربطه بالعقل وانفكت الصلة بينه وبين الجمال والفن فغرق في بحر الضرورة ، المهم أن تبقى الحياة في الجسد وأن يبقى الجسد يدب فوق تربة البلاد متحملاً كل العذابات مقاسياً كل الهموم ، متجرعاً غصص الزمان النكد ، إن معاناته ومقاساته وعذاباته مقبولة مستساغة ، بل حلوة لذيذة ، لأن ثمنها حماية الروح والحفاظ على طهارتها ودفع ما يمكن أن يجتاحها من كدرٍ يذهب بصفائها ، أو تضربها و تتخللها أخلاط ٌ غريبة ٌ شتى ، تنسيها شاغلها ، وتصرفها عن همها ومهمتها ،لأن كل ماهو من شأن الروح يقي الكيان أو الكيانات من الذوبان والتفتت ومن ثمة الزوال أو لإندثار لاقدر الله ، متى يواتي الظرف ، و تسنح الفرصة يسلم هذا الكيان الى مجرى الصيرورة التاريخية ، وقد استعد كأحسن ما يكون الإستعداد ، وطرح الأثقال والقيود بعد حين من الدهر حبس قهراً واُوقف غصباً لايأتي شيئاً من الأمور التي تتيح التقدم . شارة العصر وسيمته المميزة ، وتراكم عوامل التحضر ومواد بنائه وتوفر اُسس المدنية وحاجتها التي لا يمكن التفريط فيها ولا القفز عليها وإلا لساد التوحش الإجتماع البشري ومنطق الحق للأقوى ، وفي ذلك اهدارٌ لرأسمال اكتسب وجمع بشق الأنفس طيلة تواريخ ، من فلسفة وعلم وحكمة وأدب وفن وتجربة وخبرة ، أما الدين فقد كان مفتاح هذا كله وأسئلته المحرقة التي قادت إليه ، ايقاع التاريخ يضبط عليه ، وجناية على رسالة الإنسانية التي اُخرجت لتأديتها ، أن يترك الحبل على الغارب ، فلا يمسك ويتحكم في زمامها أي الحياة فتضبط حركتها ، وتُقاد الى حيث يجب أن تُقاد ، وتوردُ الى حيث يجبُ أن تورد فلربما تحقق جزء أو جانبٌ ، أو انسكب دفقٌ أوغمر فيضٌ ما لبد منه للإنسان مما يعتقه من الضرورة ، أشيء آخر غير الدين والخلق القويم ، يمكن أن تتلبس به الحياة أو يأخذ الحي به نفسه بل يختلط به الى أن يتخلل ذراته كلها ثم يعجن به عجنا ، حتى لا تبقى منه هباءة إلا وقد مسها ذلك وشملها واحتواها ، قلنا على سبيل التقريب و التمثيل أن الجسد تحمل كل العبء ، وعانى كل المشقة ، إن لم نقل سحق و طحن لكنه صان وحفظ أغلى و أثمن شيء لولاه لإنتهينا كعرق ، و قومية ، وكدين ، ومدنية ، اُقحمنا على كلام طوح بنا بعيداً حيث ألقى بنا في شعاب الأماني وفيافي الخيال ، ونحن نود أن نتكلم عن سيرة أوترجمة مواطن جزائري ، أوفردٌ من بلاد المغرب الذي ينتمي الى الوطن العربي المفدى ، والى عالم الإسلام الفسيح ، شخصٌ ينتمي الى عائلة عريقة ، وزاوية عتيدة تعيش في طيات الشعب الجزائري الأبي ، وتسكن ثناياه ، تتعيش من عطفه وحنوه ، وتتغذى من دفئه وكرمه ،وتشاركه همومه وآماله ، تسندُ صبره وتدعم تجلده وترابط على ثغور هويته ، وتحرس حدود دينه ، وهي في غاية الإنتباه واليقظة وفي منتهى الذكاء والحيلة والحضور لدفع ألوان الإختراق وأشكال الإحتواء ، التي لايفتأ المستعمر يجربها  مستغلاً نقاط الضعف و مناطق الهشاشة ، ولكن هيهات ، هيهات مع مخيلة عامرة و مزدحمة بأمجاد حضارة وعزُ ثقافة وعلم وأبطال صنعوا انتصارات لم تنمح آثارها ، ولم تزل ذكراها ، وعلماء أفذاذ لاتزال بصماتهم ماثلة في الحضارة الحديثة ، علمهم خميرة العلم الحديث وجرثومة مناهجه ، وذاكرة آلت على نفسها أن لا تستدخل غريباً ولاتستقبل وافداً من الأفكار و التصورات ، ليس هذا فقط بل أقامت جداراً سميكاً منيعاً بينها و بين لغة المستعمر وثقافته بالرغم من أهمية ذلك ونفعه نظراً للوضعية الحرجة التي كان عليها الشعب الجزائري ، وحالة الضعف و الهشاشة وقلة الحيلة ، التي لا تمكنه من الإنفتاح ولا تتيح له الأخذ و العطاء والتبادل بصورة سوية مريحة ، السيد عبد العزيز بن الطيب بن الصديق بن الطاهر بن محمد بن أحمد بن الصالح بن أحمد الملقب باحمادوش بن إدريس بن محمد بن إدريس محمد بن صالح بن أحمد بن ثابت بن الحاج حسن بن مسعود القجالي بن عبد الحميد بن عمر بن محمد بن إدريس بن داود بن إدريس الثاني بن إدريس الأول بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن عليه السلام بن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ومولاتنا فاطمة عليها السلام بنت الرسول الأكرم صل الله عليه وآله و سلم. هو الإبن التالي للإبن البكر العبد العارف بالله محمد الصديق حمادوش قدس الله سره . و أكرم مثواه . صاحب الحكمة و السر والكرامة ، تلميذ العالم العلامة والفاهم الفهامة ملكُ البلاغة و سلطان البيان ، الشيخ البشير  الإبراهيمي ، نائب رئيس جمعية العلماء ، الشيخ عبد الحميد بن باديس ، ورئيسها فيما بعد ، وعضو المجمع اللغوي في دمشق ،وقد كان يتردد على زاوية آل حمادوش ، خاصة في المناسبات ويزور مقبرة سيدي مسعود كلما ألم بقجال ، والشيخ عبد العزيز أحد ستة اخوة ذكور هم : محمد الصديق ، عبد الرحمن ، عبد الله ، الطاهر ، عبد الحميد ،وزعتهم الحياة على مهام حسب خصائصهم ، وبنظر قدراتهم ، أو وزعوا أنفسهم على مهام حسب رغبتهم واختيارهم ، ومايحسنون ويتقنون ، بعد أن لبث الحمادشة ردحا من الزمن لاينجبون إلا فرداً ذكراً ، يرث أبيه مادياً ومعنوياً ، ويتلقى منه ويحملُ عنه ثقل الأمانة ، ووطأة المسؤولية ، ولا يملك إلا أن يقوم بهما ، و يلتزم بمقتضياتهما موطناً نفسه على قبول ما يعترض طريقه من عقبات وما يفترشها من أشواك ثابتا متجذراً في أرضية الدعوة وخدمة الوطن والعيش له لا تهزه ولا تميل به يمنة و لا يسرة رياح التشويش والجلبة والقرقعة ، ولا تصرفه عن وجهته وما هو منهمكٌ فيه مستغرقٌ فيه الى الثمالة ، نيران التشويه ولفح التشكيك ،وفخاخ الإيقاع ، وهي حال وهيئة وتركة ، يرثها عنه ابنه ، ولا يقدر على طرحها ، أوالتملص منها مهما كانت الظروف ، وبلغ ما بلغت المحن والصروف ، ينصاع لما هيئ له ويقبل على ما وكل به غير متلجلج ولا متردد ، بل قد يكون متلهف منهوم ،مغتبط ، على هذا العمل و النشاط ، أو الخدمة ،أولاً لأنها واجب وطني ومهمة قومية التأخير و التخلف في انجازها أو المماطلة و التسويف و التلكأ عوارٌ يلصق بهمة الرجل ، ونقصٌ وعوزٌ في تفكيره وسلوكه وقدرته و ارادته وسيبقى في تاريخه شقٌ لا يلتئم وجرحٌ لا يَنْدَمِل وثانياً لأنها واجب ديني مقدس جزاؤه غداً وافرٌ ومؤديه عند الله محضياً ، ولعل الواحد منا _ وهو شأن سيدي عبد العزيز _ كلما ابتعد عن الأضواء ، وقلت أسهمه في البروز والوجاهة والسمعة ، أو انعدمت امكانيات مسكه بالزمام واعتلائه المنصة وتصديه للريادة و القيادة ، ولو على المستوى المعنوي و الرمزي وهو ماكان بعض اخوته قد نالوه الى حد الشبع وتوغلوا فيه بعيداً ، بالنسبة اليه هذه الأشياء لم يفكر فيها ولم يسع إليها ، لكنه لم يكن زاهداً فيه ولامستغنياً عنه فمادامت سوقها قائمة وخيامها منصوبة ،فهو مطمئن مرتاح ، لأن الدين حاضرٌ في الحياة ،والشريعة محتوية للفرد ، محيطة بالجماعة ،احاطة كلاءة وحفظ ،ان على مستوى الغيب عين الله عليها ، ويده تباركها ، ورحماته ولطفه مترادفة إليها ، وإن على مستوى الشهادة فهي دائبة الإجتهاد ،دائمة الإستعداد ، مشمرةٌ ، متوفزةً لجلب خير ، أو دفع خطر ، أو صيانة ذخر إرث ، تخاف أن يضيع ويتبدد ، أويتشوه ويلابسه الدخن ، فيفقد أصالته ، وتنكمش خصوصيته ، والحال أن هذا بالنسبة لسيدي عبد العزيز شبعٌ و ري أما دوره هو الذي أحبه وأعطاه غاية جهده وجل عمره ، فهو تربية و تجارة المواشي ، الى جانب فلاحة الأرض وخدمتها ، ولم يفته أن يجرب التجارة في المدينة حيث أقام دكانا كبيرا في مدينة سطيف ، ولكن هذه التجارة لم تعمر طويلاً ، ولم تماشي مزاجا اعتاد على الفلاحة و تربية المواشي كما تسجل له مأثرة تسجل في سيرته الذهبية ، ومزية تسمح لنا بإلحاقه برهط المدنية و الحضارة ، الذين يتأنقون في فنون العيش ، وأطايب الطعام ، ويأبون أن تخلو الحياة من الفن و الجمال ، هي اقامت بستان للأشجار المثمرة ، وحفر بأرين كبيرين تستخرج منهما المياه بالوسائل التقليدية (لوريا) ، وتصب في أحواضٍ كبيرة ،ليسقى بهما البستان وحديقة الخضار ،وتشرب منها المواشي ، وتستغل في بعض الأحيان للسباحة ، من قبل الأطفال والشبان ، ما يدل على أن الأعناق بدأت تشرئب والآمال بدأت تتعلق بحياة أحسن و أفضل ، وأن طروء تغيير وإن كان بخجلٍ وعلى استحياء ، أخذ يسري وشرع يتسرب الى تفكير الناس و سلوكهم وعلاقاتهم ، لعل هذا ينبئ عن حاله وما يستكن في كيانه من أفكار ومشاريع ، سرطته الجماعة ، وهضمته وتمثلته فإندك في خلاياها لحما ودما وطاقة ، وصار لحماً أو ربطاً لأجزاء الجماعة وأطرافها ، الأعلى بالأسفل ، واليمين باليسار ، وكان له علاقة خاصة بأهل الجنوب ( الصحراء ) يتردد عليهم ، ويترددون عليه ، يودهم ،ويودونه ، يآكلهم و يآكلونهم أما صلته وروابطه بإخوته وسائر أهله ، فهي منصبغة بصبغة القداسة منطبعة بطابع الحسب و النسب ، وهو رأسمال العائلة وموضع فخرها ، وتاجها وحليتها ولايخطرن ببال أحد ،أويتبادر الى ذهنه أنهم يعمدون الى تعريف أنفسهم به واشاعة صيتهم استمداداً منه ونيتهم الإستقواء الشوفوني تنافساً على الحطام ،ورغبة في المقام ، وتعلةً وعذراً لتجنب العتب والملام ، لترك التكاليف والمهام ، ولا يبعد أن يقع مثل هذا من مثل هؤلاء ، ولكنه يأبى إلا أن يظهر ، ولايقبل إلا أن يدرك رغم أنف أهله ومحبيهم ورغم أنف خصومهم وشانئيهم ارادة الله ولا اعتراض على ارادة الله ، تداعي ، أواستطراد ،أوانعطافة أعتقد أنه لابد منها ، ولامناص من الإلتجاء إليها لتبديد ضباب ،أو للإستدراك على فهم خطءٍ ، أوسوء فهم ، أوصفع قحة ،أو وقاحة ، لتفادي لسعتها وابطال سمها ، على كلٍ سيدي و جدي عبد العزيز كان كبير التقدير واسع الإحترام لإخوته ومتفانيا في حبهم وكان يحسب أن ضيافتهم و اكرامهم من الواجبات التي يجب أن لا تتخلف وفعل ذلك واتسع ليضم غيرهم ويجمع بين الأقارب والأباعد وبقى يفعل ذلك حتى وهو في حالة ضيق ذات اليد وتجهم الزمان وجفاء يحاصره ويأخذ بخناقه لا يعرف مصدره ومأتاه مايرجح أنها حالة شعورية ،وكان مغرماً بالعبادة مشدوداً الى التصوف حتى لكأنه به مسٌ منهما فهو يذكر ويذكر بأخيه سيدي محمد بمناسبة وبغير مناسبة في مداومته على التنفل والإستكثار من القربات وينفس عليه ذلك و يغبطه فيه ،ويشيدُ  بحفاظ كتاب الله ، ويثني عليهم ، ويعرف للعلماء مكانتهم ، ويقر بنفوذ سلطانهم وسلطة رأيهم ، وهو دائم الذكر ، يرفع به صوته في أوقات الشدة وأيام المحنة (الإستغفار) (الحوقلة) (التهليل و التكبير) (لاحال يدوم) (يالطيف) ،ذاخبرة ومعرفة بالجماعة وبشؤونها وأحوالها وبأمزجتها و أذواقها ، وبطبائعها ، وخصائصها ، وبعصبياتها ،وانحيازاتها ، وبمواقفها ومثار ردود أفعالها هو ذخرٌ وكنزٌ لم نستفد منه كثيراً ،أو أخذنا منه  النزر اليسير ، ومايوخز الجسم ويألم القلب أن المرض هجم عليه وألم بجسمه فترة طويلة من الزمن ، أخذ منه الراحة والطمئنينة وطيب العيش ، وكل ما تصفوا به الحياة فصبر و احتسب وانتظر الفرج واثقٌ بالله راض بحكمه مردداً الشوكة يشاكها المؤمن يؤجر عليها ، ما يتأدى الى أن هذا المرض تنقية من الذنوب وتصفية من الآثام .

بقلم : محمد الفاضل حمادوش      
الخميس 1 أوت 2013 ميلادي الموافق
 لـ 23 شهر رمضان 1434 هجري   

 

الشيخ عبد العزيز بن الطيب حمادوش (رحمه الله) - درع الكرم وسيفه


الشيخ عبد العزيز بن الطيب حمادوش

درع الكرم وسيفه 

على سفح التاريخ اوضفافه وهوامشه وغالب الظن ان التاريخ استراح لحظة تقارب مئة وثلاثون سنة فى منطقة يبدو ان تكاليف الحضارة قد اثقلتها واعيتها وان التجاوب مع التاريخ ومسايرته على الاقل وليس صناعته وتوجيهه دات اكلاف و مشاق فقدت القدرة والطاقة اللازمتين لاحتمالهما فضلا عن اعتبارهما ثمنا واجب الدفع ،أومهراً لقاء حماية المقدس وحفظه ذلك لأن النفس الحضاري لما بعد الموحدين اعتراه الضعف منذ أمد ولم يقف هذا الضعف عند حدٍ معين لأن مقداره اتسع وتفاقم ، واصطحب ذلك أورافقه تأزم ثقافي وتراجع مدني ، انعكس على الفكر فقتل الإبداع ، وانعكس على الوجدان فإنقبضت المشاعر وتجهمت ، فأودت بالفن ونكلت بالجمال ،فغدت صور الحياة قبيحة قاتمة كريهة مقززة ،وانعكست على السلوك فإنقطع الخيط الرفيع الذي يربطه بالعقل وانفكت الصلة بينه وبين الجمال والفن فغرق في بحر الضرورة ، المهم أن تبقى الحياة في الجسد وأن يبقى الجسد يدب فوق تربة البلاد متحملاً كل العذابات مقاسياً كل الهموم ، متجرعاً غصص الزمان النكد ، إن معاناته ومقاساته وعذاباته مقبولة مستساغة ، بل حلوة لذيذة ، لأن ثمنها حماية الروح والحفاظ على طهارتها ودفع ما يمكن أن يجتاحها من كدرٍ يذهب بصفائها ، أو تضربها و تتخللها أخلاط ٌ غريبة ٌ شتى ، تنسيها شاغلها ، وتصرفها عن همها ومهمتها ،لأن كل ماهو من شأن الروح يقي الكيان أو الكيانات من الذوبان والتفتت ومن ثمة الزوال أو لإندثار لاقدر الله ، متى يواتي الظرف ، و تسنح الفرصة يسلم هذا الكيان الى مجرى الصيرورة التاريخية ، وقد استعد كأحسن ما يكون الإستعداد ، وطرح الأثقال والقيود بعد حين من الدهر حبس قهراً واُوقف غصباً لايأتي شيئاً من الأمور التي تتيح التقدم . شارة العصر وسيمته المميزة ، وتراكم عوامل التحضر ومواد بنائه وتوفر اُسس المدنية وحاجتها التي لا يمكن التفريط فيها ولا القفز عليها وإلا لساد التوحش الإجتماع البشري ومنطق الحق للأقوى ، وفي ذلك اهدارٌ لرأسمال اكتسب وجمع بشق الأنفس طيلة تواريخ ، من فلسفة وعلم وحكمة وأدب وفن وتجربة وخبرة ، أما الدين فقد كان مفتاح هذا كله وأسئلته المحرقة التي قادت إليه ، ايقاع التاريخ يضبط عليه ، وجناية على رسالة الإنسانية التي اُخرجت لتأديتها ، أن يترك الحبل على الغارب ، فلا يمسك ويتحكم في زمامها أي الحياة فتضبط حركتها ، وتُقاد الى حيث يجب أن تُقاد ، وتوردُ الى حيث يجبُ أن تورد فلربما تحقق جزء أو جانبٌ ، أو انسكب دفقٌ أوغمر فيضٌ ما لبد منه للإنسان مما يعتقه من الضرورة ، أشيء آخر غير الدين والخلق القويم ، يمكن أن تتلبس به الحياة أو يأخذ الحي به نفسه بل يختلط به الى أن يتخلل ذراته كلها ثم يعجن به عجنا ، حتى لا تبقى منه هباءة إلا وقد مسها ذلك وشملها واحتواها ، قلنا على سبيل التقريب و التمثيل أن الجسد تحمل كل العبء ، وعانى كل المشقة ، إن لم نقل سحق و طحن لكنه صان وحفظ أغلى و أثمن شيء لولاه لإنتهينا كعرق ، و قومية ، وكدين ، ومدنية ، اُقحمنا على كلام طوح بنا بعيداً حيث ألقى بنا في شعاب الأماني وفيافي الخيال ، ونحن نود أن نتكلم عن سيرة أوترجمة مواطن جزائري ، أوفردٌ من بلاد المغرب الذي ينتمي الى الوطن العربي المفدى ، والى عالم الإسلام الفسيح ، شخصٌ ينتمي الى عائلة عريقة ، وزاوية عتيدة تعيش في طيات الشعب الجزائري الأبي ، وتسكن ثناياه ، تتعيش من عطفه وحنوه ، وتتغذى من دفئه وكرمه ،وتشاركه همومه وآماله ، تسندُ صبره وتدعم تجلده وترابط على ثغور هويته ، وتحرس حدود دينه ، وهي في غاية الإنتباه واليقظة وفي منتهى الذكاء والحيلة والحضور لدفع ألوان الإختراق وأشكال الإحتواء ، التي لايفتأ المستعمر يجربها  مستغلاً نقاط الضعف و مناطق الهشاشة ، ولكن هيهات ، هيهات مع مخيلة عامرة و مزدحمة بأمجاد حضارة وعزُ ثقافة وعلم وأبطال صنعوا انتصارات لم تنمح آثارها ، ولم تزل ذكراها ، وعلماء أفذاذ لاتزال بصماتهم ماثلة في الحضارة الحديثة ، علمهم خميرة العلم الحديث وجرثومة مناهجه ، وذاكرة آلت على نفسها أن لا تستدخل غريباً ولاتستقبل وافداً من الأفكار و التصورات ، ليس هذا فقط بل أقامت جداراً سميكاً منيعاً بينها و بين لغة المستعمر وثقافته بالرغم من أهمية ذلك ونفعه نظراً للوضعية الحرجة التي كان عليها الشعب الجزائري ، وحالة الضعف و الهشاشة وقلة الحيلة ، التي لا تمكنه من الإنفتاح ولا تتيح له الأخذ و العطاء والتبادل بصورة سوية مريحة ، السيد عبد العزيز بن الطيب بن الصديق بن الطاهر بن محمد بن أحمد بن الصالح بن أحمد الملقب باحمادوش بن إدريس بن محمد بن إدريس محمد بن صالح بن أحمد بن ثابت بن الحاج حسن بن مسعود القجالي بن عبد الحميد بن عمر بن محمد بن إدريس بن داود بن إدريس الثاني بن إدريس الأول بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن عليه السلام بن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ومولاتنا فاطمة عليها السلام بنت الرسول الأكرم صل الله عليه وآله و سلم. هو الإبن التالي للإبن البكر العبد العارف بالله محمد الصديق حمادوش قدس الله سره . و أكرم مثواه . صاحب الحكمة و السر والكرامة ، تلميذ العالم العلامة والفاهم الفهامة ملكُ البلاغة و سلطان البيان ، الشيخ البشير  الإبراهيمي ، نائب رئيس جمعية العلماء ، الشيخ عبد الحميد بن باديس ، ورئيسها فيما بعد ، وعضو المجمع اللغوي في دمشق ،وقد كان يتردد على زاوية آل حمادوش ، خاصة في المناسبات ويزور مقبرة سيدي مسعود كلما ألم بقجال ، والشيخ عبد العزيز أحد ستة اخوة ذكور هم : محمد الصديق ، عبد الرحمن ، عبد الله ، الطاهر ، عبد الحميد ،وزعتهم الحياة على مهام حسب خصائصهم ، وبنظر قدراتهم ، أو وزعوا أنفسهم على مهام حسب رغبتهم واختيارهم ، ومايحسنون ويتقنون ، بعد أن لبث الحمادشة ردحا من الزمن لاينجبون إلا فرداً ذكراً ، يرث أبيه مادياً ومعنوياً ، ويتلقى منه ويحملُ عنه ثقل الأمانة ، ووطأة المسؤولية ، ولا يملك إلا أن يقوم بهما ، و يلتزم بمقتضياتهما موطناً نفسه على قبول ما يعترض طريقه من عقبات وما يفترشها من أشواك ثابتا متجذراً في أرضية الدعوة وخدمة الوطن والعيش له لا تهزه ولا تميل به يمنة و لا يسرة رياح التشويش والجلبة والقرقعة ، ولا تصرفه عن وجهته وما هو منهمكٌ فيه مستغرقٌ فيه الى الثمالة ، نيران التشويه ولفح التشكيك ،وفخاخ الإيقاع ، وهي حال وهيئة وتركة ، يرثها عنه ابنه ، ولا يقدر على طرحها ، أوالتملص منها مهما كانت الظروف ، وبلغ ما بلغت المحن والصروف ، ينصاع لما هيئ له ويقبل على ما وكل به غير متلجلج ولا متردد ، بل قد يكون متلهف منهوم ،مغتبط ، على هذا العمل و النشاط ، أو الخدمة ،أولاً لأنها واجب وطني ومهمة قومية التأخير و التخلف في انجازها أو المماطلة و التسويف و التلكأ عوارٌ يلصق بهمة الرجل ، ونقصٌ وعوزٌ في تفكيره وسلوكه وقدرته و ارادته وسيبقى في تاريخه شقٌ لا يلتئم وجرحٌ لا يَنْدَمِل وثانياً لأنها واجب ديني مقدس جزاؤه غداً وافرٌ ومؤديه عند الله محضياً ، ولعل الواحد منا _ وهو شأن سيدي عبد العزيز _ كلما ابتعد عن الأضواء ، وقلت أسهمه في البروز والوجاهة والسمعة ، أو انعدمت امكانيات مسكه بالزمام واعتلائه المنصة وتصديه للريادة و القيادة ، ولو على المستوى المعنوي و الرمزي وهو ماكان بعض اخوته قد نالوه الى حد الشبع وتوغلوا فيه بعيداً ، بالنسبة اليه هذه الأشياء لم يفكر فيها ولم يسع إليها ، لكنه لم يكن زاهداً فيه ولامستغنياً عنه فمادامت سوقها قائمة وخيامها منصوبة ،فهو مطمئن مرتاح ، لأن الدين حاضرٌ في الحياة ،والشريعة محتوية للفرد ، محيطة بالجماعة ،احاطة كلاءة وحفظ ،ان على مستوى الغيب عين الله عليها ، ويده تباركها ، ورحماته ولطفه مترادفة إليها ، وإن على مستوى الشهادة فهي دائبة الإجتهاد ،دائمة الإستعداد ، مشمرةٌ ، متوفزةً لجلب خير ، أو دفع خطر ، أو صيانة ذخر إرث ، تخاف أن يضيع ويتبدد ، أويتشوه ويلابسه الدخن ، فيفقد أصالته ، وتنكمش خصوصيته ، والحال أن هذا بالنسبة لسيدي عبد العزيز شبعٌ و ري أما دوره هو الذي أحبه وأعطاه غاية جهده وجل عمره ، فهو تربية و تجارة المواشي ، الى جانب فلاحة الأرض وخدمتها ، ولم يفته أن يجرب التجارة في المدينة حيث أقام دكانا كبيرا في مدينة سطيف ، ولكن هذه التجارة لم تعمر طويلاً ، ولم تماشي مزاجا اعتاد على الفلاحة و تربية المواشي كما تسجل له مأثرة تسجل في سيرته الذهبية ، ومزية تسمح لنا بإلحاقه برهط المدنية و الحضارة ، الذين يتأنقون في فنون العيش ، وأطايب الطعام ، ويأبون أن تخلو الحياة من الفن و الجمال ، هي اقامت بستان للأشجار المثمرة ، وحفر بأرين كبيرين تستخرج منهما المياه بالوسائل التقليدية (لوريا) ، وتصب في أحواضٍ كبيرة ،ليسقى بهما البستان وحديقة الخضار ،وتشرب منها المواشي ، وتستغل في بعض الأحيان للسباحة ، من قبل الأطفال والشبان ، ما يدل على أن الأعناق بدأت تشرئب والآمال بدأت تتعلق بحياة أحسن و أفضل ، وأن طروء تغيير وإن كان بخجلٍ وعلى استحياء ، أخذ يسري وشرع يتسرب الى تفكير الناس و سلوكهم وعلاقاتهم ، لعل هذا ينبئ عن حاله وما يستكن في كيانه من أفكار ومشاريع ، سرطته الجماعة ، وهضمته وتمثلته فإندك في خلاياها لحما ودما وطاقة ، وصار لحماً أو ربطاً لأجزاء الجماعة وأطرافها ، الأعلى بالأسفل ، واليمين باليسار ، وكان له علاقة خاصة بأهل الجنوب ( الصحراء ) يتردد عليهم ، ويترددون عليه ، يودهم ،ويودونه ، يآكلهم و يآكلونهم أما صلته وروابطه بإخوته وسائر أهله ، فهي منصبغة بصبغة القداسة منطبعة بطابع الحسب و النسب ، وهو رأسمال العائلة وموضع فخرها ، وتاجها وحليتها ولايخطرن ببال أحد ،أويتبادر الى ذهنه أنهم يعمدون الى تعريف أنفسهم به واشاعة صيتهم استمداداً منه ونيتهم الإستقواء الشوفوني تنافساً على الحطام ،ورغبة في المقام ، وتعلةً وعذراً لتجنب العتب والملام ، لترك التكاليف والمهام ، ولا يبعد أن يقع مثل هذا من مثل هؤلاء ، ولكنه يأبى إلا أن يظهر ، ولايقبل إلا أن يدرك رغم أنف أهله ومحبيهم ورغم أنف خصومهم وشانئيهم ارادة الله ولا اعتراض على ارادة الله ، تداعي ، أواستطراد ،أوانعطافة أعتقد أنه لابد منها ، ولامناص من الإلتجاء إليها لتبديد ضباب ،أو للإستدراك على فهم خطءٍ ، أوسوء فهم ، أوصفع قحة ،أو وقاحة ، لتفادي لسعتها وابطال سمها ، على كلٍ سيدي و جدي عبد العزيز كان كبير التقدير واسع الإحترام لإخوته ومتفانيا في حبهم وكان يحسب أن ضيافتهم و اكرامهم من الواجبات التي يجب أن لا تتخلف وفعل ذلك واتسع ليضم غيرهم ويجمع بين الأقارب والأباعد وبقى يفعل ذلك حتى وهو في حالة ضيق ذات اليد وتجهم الزمان وجفاء يحاصره ويأخذ بخناقه لا يعرف مصدره ومأتاه مايرجح أنها حالة شعورية ،وكان مغرماً بالعبادة مشدوداً الى التصوف حتى لكأنه به مسٌ منهما فهو يذكر ويذكر بأخيه سيدي محمد بمناسبة وبغير مناسبة في مداومته على التنفل والإستكثار من القربات وينفس عليه ذلك و يغبطه فيه ،ويشيدُ  بحفاظ كتاب الله ، ويثني عليهم ، ويعرف للعلماء مكانتهم ، ويقر بنفوذ سلطانهم وسلطة رأيهم ، وهو دائم الذكر ، يرفع به صوته في أوقات الشدة وأيام المحنة (الإستغفار) (الحوقلة) (التهليل و التكبير) (لاحال يدوم) (يالطيف) ،ذاخبرة ومعرفة بالجماعة وبشؤونها وأحوالها وبأمزجتها و أذواقها ، وبطبائعها ، وخصائصها ، وبعصبياتها ،وانحيازاتها ، وبمواقفها ومثار ردود أفعالها هو ذخرٌ وكنزٌ لم نستفد منه كثيراً ،أو أخذنا منه  النزر اليسير ، ومايوخز الجسم ويألم القلب أن المرض هجم عليه وألم بجسمه فترة طويلة من الزمن ، أخذ منه الراحة والطمئنينة وطيب العيش ، وكل ما تصفوا به الحياة فصبر و احتسب وانتظر الفرج واثقٌ بالله راض بحكمه مردداً الشوكة يشاكها المؤمن يؤجر عليها ، ما يتأدى الى أن هذا المرض تنقية من الذنوب وتصفية من الآثام .
بقلم : محمد الفاضل حمادوش      
سطيف - الجزائر              
الخميس 1 أوت 2013 ميلادي الموافق
 لـ 23 شهر رمضان 1434 هجري   

 
- See more at: http://maharib-wa-manabir-wa-akwas.blogspot.com/2014/01/blog-post_7660.html#sthash.HN0htOyM.dpuf

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق